أولا: المقصود بقانون العمل وأهميته:
المقصود بقانون العمل:
يقصد بقانون العمل مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الروابط الناشئة عن قيام العامل بعمل لحساب صاحب العمل مقابل أجر، حيث يخضع العام لتبعية صاحب العمل.
ويقتصر قانون العمل على تنظيم العلاقات التي تنشأ بمناسبة العمل التابع بين العمال وأصحاب العمل، أما من يقوم بعمل مستقل لا يخضع فيه لتوجيه وإدارة صاحب العمل فإن أحكام قانون العمل لا تسري عليه، مثال ذلك الطبيب أو المهندس الذي يقوم بعلم مستقل، كذلك لابد أن يكون العمل التابع الذي يحكمه قانون العمل “عمل بمقابل” أما العمل الذي يتم مجانا أو كتبرع فيخرج من نطاق تطبيق قانون العمل.
ويهدف قانون العمل أساسا إلى تحقيق التوازن بين العامل وصاحب العمل فيحقق العدالة الاقتصادية والعدالة الوظيفية في علاقات العمل في إطار المشروع الاقتصادي ولذا فإن أحكام قانون العمل في سبيل تحقيق هدفه الأساسي لا تتوقف عند التنظيم المباشر لعلاقات العمل الفردية بل تتجاوز ذلك إلى تنظيم الفصل في منازعة العمل الفردية وتنظيم النقابات العمالية واتفاقات العمل الجماعية ومشاركة العمال في إدارة المشروع والمشاركة في أرباحه والفصل في مناعات العمل الجماعية.
أهمية قانون العمل:
الأهمية الاجتماعية:
حيث أن نصوصه تهدف في المقام الأول إلى تحقق السلام الاجتماعي وإزالة الصراع الطبق يبين طبقة المال وطبقة أصحاب العمل، فيكفل القانون للعمال الحماية اللازمة فيما يتعلق بتنظيم ظروف العمل وساعات العمل وتنظيم الأجر وأيام الراحة وغيرها من الأمور المتعلقة بتنظيم العمل وإنهائه، كما يحقق القانون مصلحة صاحب العمل في إلزام العامل بأداء عمله على أكمل وجه ومنح صاحب العمل سلطة تنظيمية وتأديبية على العامل تكفل حسن سير العمل بالمنشأة مشروع اقتصادي.
الأهمية الاقتصادية:
حيث يهدف قانون العمل إلى تنمية الاقتصاد القومي وتحقق زيادة في الإنتاج وتقليص معدل البطالة وضمان حد أدنى للأجر والعمل على ارتفاع مستوى المعيشة.
ثانيا: خصائص قانون العمل:
1)اهتمام قانون العمل بالمشروع الاقتصادي.
اهتم قانون العمل بالمشروع الاقتصادي كوحدة اقتصادية مستقلة تقوم بالإنتاج، فوضع المشرع أحكاما تنظم المشروع الاقتصادي من زاوية أنه مجتمع منظم تنظيما رئاسيا يتم فيه الإنتاج بشكل جماعي ويحكمه التضامن بين صاحب العمل والعاملين فيه ويهدف إلى تحقيق مصالح صاحب العمل والعاملين فيه على السواء.
ففي ضوء التطورات الاقتصادية الحديثة بات ينظر إلى المشروع الاقتصادي باعتباره منشاة لها ذاتية خاصة قائمة بذاته وليس باعتباره مشروع مرتبطا بخص مالكه، لذلك فإن أحكام قانون العمل تقوم على مبدأ ارتباط عقود العمل بالمشروع الاقتصادي ذاته وليس بشخص صاحب العمل حيث أصبح من الضروري الفصل ين المشروع ومالكه ليبقي العامل مرتبطا بالمشروع رغم التغيرات التي قد تطرأ على شخص صاحب العمل فيه.
وقد عرف البعض المشروع الاقتصادي بأنه مجموعة عناصر الإنتاج أو الاستغلال اللازمة لاستمرار النشاط، ويختلف نع هذه العناصر وطبيعتها من حالة إلى أخرى.
كما عرف البعض الأخر المشروع بأنه مجموعة العناصر الإنسانية، والوسائل المادية وغير المادية المنظمة والمتناسقة من أجل تحقيق هدف، وتتحدد عناصر المشروع بأمور ثلاثة:
أولا: العنصر البشري: من عمالة وإدارة ورئيس للمشروع، والتي تعمل جميعها بشكل منظم يتم توظيفه حسب المنصب والمهام التي يتولاها كل فرد.
ثانيا: الوسائل المادية التي يتم توظيفها واستخداماه لتحقق الغرض الاقتصادي للمشروع.
ثالثا: العمل والتنسيق بين العنصرين الأول والثاني للوصول إلى غرض المشروع أو تحقيق أهدافه الاقتصادية.
ويكون لصاحب المشروع الاقتصادي السلطة اللائحية وسلطة التوجيه وسلطة التأديب داخل المشروع وأحكام قانون العمل تجعل مصلحة المشروع هي الإطار الموضوعي الذي ينشأ فيه ويستمر العمل التابع داخل المشروع.
2) طبيعة قانون العمل:
ينقسم القانون بوجه عام إلى قانون عام وقانون خاص ـ القانون العام هو الذي يحكم العلاقات التي يكون فيها أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، أما القانون الخاص فيحكم العلاقات بين أفراد القانون الخاص.
ولقد اختلف الفقه حول تحديد موقع قانون العمل بين فروع القانون، فهو ينتمي إلى القانون الخاص من حيث أنه ينظم علاقات بين أشخاص ينتمون إلى القانون الخاص ومن حيث أن كثيرا من قواعده الأساسية مستقاه من القانون المدني، وفي نفس الوقت تتداخل قواعد القانون العام مع قانون العمل، فالسلطة العامة تتدخل بشكل متزايد في تنظيم علاقات العمل، مقيدة حرية صاحب العمل والعامل في تنظيم علاقات العمل وهو ما يشكل خروجا واضحا على مبدأ سلطات الإرادة.
فذهب رأي إلى أن قانون العمل فرعا من فروع القانون العام، وذلك نتيجة تدخل السلطة اللازمة بقواعد آمرة في قانون العمل تعمل على تحقيق المصلحة العامة للعمال فالقواعد الإلزامية الآمرة لنصوص قانون العمل تجسد خروجا على مبدأ سلطان الإرادة واستقلاله وتجعله بعيدا عن نطاق القانون الخاص الذي يحكم إرادة الأطراف وحريتهم في التعاقد.
إلا أن هذا الرأي رد عليه بأنه أيا كان المعيار المتخذ لتحديد القانون العام، فإنه لا يكفي لإدخال قانون العمل تحت طائلة فروعه، فالقول بأن القانون العام يهدف إلى حماية المصلحة العامة وهو ما ينطبق على قانون العمل يرد عليه بأن كل قواعد القانون تهف إلى تحقيق المصلحة العامة وتهدف إلى تحقيق المصلحة الخاصة في نفس الوقت، فلا يجوز أساس التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص على أساس أن الأول يحمي المصلحة العامة والثاني يحمي المصلحة الخاصة ومن ثم لا يجوز إدخال قانون العمل تحت طائرة فروع القانون العام حتى ولو كانت قواعده آمرة ومتعلقة بالنظام العام.
وذهب رأي ثاني في الفقه إلى أن قانون العمل قانون مختلط ينتمي إلى القانون الخاص وإلى القانون العام، فهو يضم قواعد تنظيم علاقات بين أطراف ينتمون إلى القانون الخاص (العامل وصاحب العمل)، كما أنه يضم قواعد تتدخل فيها الدولة بما لها من امتيازات السلطة العامة، فالدولة تتدخل في تنظيم بعض الأمور الناشئة عن قانون العمل كتنظيم العمل والتحكيم في منازعات العمل الجماعية كما تتدخل بالتفتيش على أماكن العمل لضمان تنفيذ القواعد الآمرة في قانون العمل.
وهناك رأي ثالث، يرى أن هذا الفرع من فروع القانون ينتمي إلى القانون الخاص وذلك على الرغم من تدخل الدولة كسلطة عامة في بعض العلاقات التي ينظمها هذا القانون وعلى الرغم من تعلق قواعد هذا القانون بالنظام العام، وسند هذا الرأي أن العلاقات الناشئة عن قانون العمل ينتمي أطرافها إلى القانون الخاص وأن القواعد الأساسية التي تحكم هذه العلاقات منبثقة عن القانون الخاص.
3) الصفة الآمرة لنصوص قانون العمل.
نتيجة لخروج قانون العمل على فلسفة سلطان الإرادة واستقلالها وذلك بتدخل المشرع بتضمين قانون العمل نصوصا تهدف إلى حماية العامل باعتباره الطرف الضعيف في التعاقد، أصبحت قواعد قانون العمل آمرة في معظمها وتتعلق بالنظام العام وبذلك يمكن القول بأن دور الإرادة في عقد العمل الفردي أصبح محددا في قبول أو عدم قبول النظام القانوني الذي يفرضه قانون العمل على علاقات العمل الناشئة عن عقد العمل الفردي.
وقد أكدت على الصيغة الآمر لقانون العمل المادة 5 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 والتي نصت على أن يقع باطلا كل شرط أو اتفاق يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابق على العمل به، إذا كان يتضمن انتقاصا من حقوق العامل المقررة فيه، ويستمر العمل بأية مزايا أو شروط أفضل تكون مقررة أو تقرر في عقود العمل الفردية أو الجماعية أو الأنظمة الأساسية أو غيرها من لوائح المنشأة أو بمقتضى العرف.
وتقع باطلة كل مصالحة تتضمن انتقاصا أو إبراء من حقوق العامل الناشئة عن عقد العمل خلال مدة سريانه أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ انتهائه متى كانت تخالف أحكام هذا القانون.
ويترتب على الصفة الآمرة لنصوص قانون العمل وتعلق أحكامه بالنظام العام آثار جوهري تشمل الأمور الآتية:
أولا: بطلان الشروط المخالفة لأحكام قانون العمل:
نتيجة للصفة الآمرة لقواعد قانون العمل وتعلقها بالنظام العام فإن البطلان يلحق بأي بند مخالف لها، سواء كان هذا البند واردا في عقد عمل فردي أو اتفاق جماعي أو لائحة العمل.
ويرد البطلان على البند أو النص المخالف لأحكام قانون العمل، على أن يظل مصدر الالتزام الذي ورد فيه البند أو النص قائما منتجا لآثاره الأخرى، ومن ثم فإن بطلان بند في عقد فردي أو اتفاق عمل جماعي أو لائحة العمل يترتب عليه بطلان هذا البند فقط وبقاء العقد أو الاتفاق أو اللائحة قائما منتجا لكافة آثاره الأخرى.
فالبطلان لا يمتد إلى العقد أو الاتفاق أو اللائحة بأكملها بل تظل قائمة وصحيحة فيما عدا النص الباطل والذي يحل محله حكم قانون العمل، وعلى ذلك فإن بطلان الشرط أو النص المخالف لقاعدة آمرة في قانون العمل هو بطلان جزئي يقتصر على الشرط أو النص المخالف ولا يمتد إلى العقد أو الاتفاق كله حتى لو تبين أن البند الباطل هو الباعث على التعاقد.
عدم بطلان الشرط الذي يقرر فائدة أكثر للعامل:ولما كان البطلان الجزئي الذي نحن بصدده هو بطلان حمائي مقرر لمصلحة العامل وحمايته ضد مخالفة صاحب العمل لقواعد قانون العمل الآمرة والمتعلقة بالنظام العام، فلا يترتب البطلان الجزئي إذا كان الشرط أو النص المخالف لقانون العمل يقرر للعامل حق أو امتياز أفضل مما تقرره نصوص قانون العمل، ومن ثم فالصفة الآمرة لقواعد قانون العمل تعني ضمان حد أدنى من الحقوق للعامل دون تقييد إمكانية تقرير حقوق أو مزايا أكثر له، سواء في عقود العمل الفردية أو الاتفاقات الجماعية أو في لوائح العمل أو بمقتضى العرف.
ثانيا: سريان قانون العمل على عقود العمل بشكل فوري:
يسري قانون العمل على عقود العمل بأثر فوري، فلا تطبق نصوصه على العقود التي أبرمت بعد تاريخ سريان القانون فحسب وإنما تطبق أيضا على ما تم إبرامه من عقود قبل سريان قانون العمل فيقع باطلا كل شرط أو اتفاق يخالف أحكام هذا القانون إذا كان يتضمن انتقاصا من حقوق العامل المقرر في القانون الحالي، وليس معني ذلك تقرير بطلان هذا الشرط بأثر رجعي، وإنما المقصود أن يبطل الشرط من تاريخ العمل بالقانون وما يترتب عليه من آثار مستقبلية ولا ينسحب البطلان إلى الآثار التي ترتبت على الشرط منذ إبرام العقد في ظل القانون القديم.
ثالثا: بطلان كل مصالحة أو إبراء من العامل عن حقوقه:
الأصل أنه إذا ثبت الحق فإن لصاحبه أن يتنازل عنه بالغبراء أو بالتصالح.
وقد اتخذ قانون العمل المصري موقفا مغايرا إزاء هذه المسألة فنص على أن تقع باطلة كل مصالحه تتضمن انتقاصا أو إبراء من حقوق العامل الناشئة عن عقد العمل خلال مدة سريانه أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ انتهائه متى كانت تخالف أحكام هذا القانون.
وواضح من هذا النص انه يورد حكم البطلان على تنازل العامل بالمصالحة أو الإبراء عن حقوق الناشئة عن عقد العمل والمقررة بمقتضى أحكام قانون العمل وقد حدد المشرع نطاقا زمانيا لتطبيق حكم البطلان وهو أن يكون التنازل تم خلال سريان عقد العمل أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ انتهائه. ومقتضى ذلك بمفهوم المخالفة أن تنازل العامل عن حقوقه المقررة بقانون العمل والناشئة عن عقد العمل يكون صحيحا إذا وقع خارج هذا النطاق الزمني.
وقد قدر المشرع أن التنازل أو الإبراء الذي تم أثناء هذا النطاق المني يكون مشوبا بشبهة استغلال صاحب العمل للعامل، حيث يكون العامل واقعا تحت سيطرة صاحب العمل معا قد يضطره إلى التنازل عن حقوقه.
رابعا: الجزاء الجنائي على مخالفة قواعد قانون العمل.
قرر المشرع جزاءات جنائية على مخالفة قواعد العمل وذلك تأكيدا على الصفة الآمرة لهذه القواعد فإلى جانب الجزاء المدني قرر المشرع جزاءات جنائية على مخالفة أحكام القانون تأكيدا على الطبيعة الآمرة لنصوص قانون العمل وتعلقها بالنظام العام.
وتتراوح الجزاءات الجنائية ما بين الغرامة والحبس وتصل في بعض الأحيان إلى العقوبة المقررة لجريمة الجنحة، وقد نص المشرع بالنسبة لبعض الجرائم على تعدد العقوبات التي تفرض على صاحب العمل يتعدد العمال الذين وقعت في شأنهم المخالفة كما نص بالنسبة لبعض الجرائم على مضاعفة العقوبة في حالة العود.
وقد نصت المادة الخامسة من مواد إصدار قانون العمل على أن تؤول إلى وزارة القوى العاملة والهجرة جميع المبالغ المحكوم بها على مخالفة أحكام القانون المرفق ويكون التصرف فيها على الوجه الآتي:
أ) ثلثان يخصصان للصرف في الأوجه وبالشروط والأوضاع التي يصد بها قرار من وزير القوى العاملة والهجرة على الأغراض الاجتماعية وتحفيز العاملين والمشاركين في تطبيق هذا القانون.
ب) ثلث يخصص للمؤسسات الثقافية العمالية والاجتماعية التابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر يوزع بينها بقرار يصدر من وزير القوى العاملة والهجرة بالاتفاق مع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
خامسا: تفتيش العمل والضبطية القضائية:
نص قانون العمل على أن يكون للعاملين القائمين على تنفيذ أحكام هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذا له والذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة للجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم.
ويخالف كل منهم قبل مباشرة عمله يمينا أمام الوزير المختص بأن يقوم بأداء عمله بالأمانة والإخلاص وإلا يفشي سرا من أسرار العمل أو الاختراعات التي يطلع عليها بحكم وظيفته حتى بعد تركه العمل.
ويحمل العامل الذي له صفة الضبطية القضائية بطاقة تثبت هذه الصفة وله حق دخول جميع أماكن العمل وتفتيشها للتحقق من تطبيق أحكام هذا القانون والقرارات المنفذة له، وفحص الفاتر والأوراق المتعلقة بذلك، وطلب المستندات والبيانات اللازمة من أصحاب العمال أو من ينوب عنهم.
ويحدد الوزير المختص بقرار منه قواعد التكليف بتفتيش أماكن لعمل ليلا وفي غير أقات العمل الرسمية للقائمين به والمكافآت التي تستحق لهم.
ولقد أعطى القانون صفة الضبط القضائي للموظفين القائمين على تنفيذ أحكام القانون من خلال الإدارات التابعة لوزارة العمل (مثل مكاتب ومديريات العمل) فيكون لهؤلاء الموظفين الحق في تفتيش أماكن العمل للتأكد من حسن تطبيق أحكام قانون العمل وعدم مخالفة أصحاب العمل لنصوص القانون أو القرارات الوزارية المنفذة له.
بالإضافة إلى ذلك ألزم القانون أصحاب الأعمال بأن يسهلوا مهمة المكلفين بمراقبة تنفيذ أحكام القانون وأن يقدموا لهم كافة المستندات والبيانات اللازمة لأداء مهمتهم وأن يستجيبوا لطلبات الحضور التي توجه إليهم من موظفي الضبطية القضائية.
وقرر القانون عقوبة على صاحب العمل الذي يعيق عمال الضبطية القضائية وذلك بتقرير غرام لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد عن ألف جنيه وتضاعف هذه الغرامة في حالة العود.