أولاً: تعريف مبدأ سلطان الإرادة
- مبدأ سلطان الإرادة يعني أن الإرادة قادرة على إنشاء ما تشاء من التزام وأن تبرم ما يروق لها من عقود وأن تحدد الآثار المترتبة على هذه العقود.
- وسند هذا المبدأ أن الإرادة الحرة الصادرة عن بينة واختيار هي أصدق الوسائل للتعبير عن ضرورات الإنسان وحاجاته، وبالتالي هي وحدها القدرة على إنشاء العقود التي تلبي هذه الحاجات وتلك الضرورات ويجب أن نترك هذه الإرادة حرة مطلقة لكي تقوم بهذا الدور.
ثانياً: موقف القانون المدني المصري من مبدأ سلطان الإرادة:
أخذ المشرع المصري بمبدأ سلطان الإرادة في مظاهر ومبادئ مختلفة ولكنه وضع قيودا على تلك المبادئ على الوضع التالي:
أ- مبدأ الحرية التعاقدية:
1- مضمون المبدأ:
- يقصد بمبدأ الحرية التعاقدية أن الأفراد بإرادتهم يستطيعون أن يبرموا ما يروق لهم من عقود لتحقيق مصالحهم سواء أكانت هذه العقود منظمة في التقنين المدني أم غير منظمة في ذلك التقنين.
- ومقتضى هذا المبدأ أنه لا يجبر أحد من الأشخاص على إبرام عقود لا يريدها، كما لا يجبر أحد على التعامل مع أشخاص لا يتواءم معهم، كما أنه لا يجوز أن ينوب أحد في إبرام عقد دون رغبة من الأصيل في ذلك.
2- قيود هذا المبدأ:
نص التقنين المدني المصري على عدة قيود على مبدأ الحرية التعاقدية تعد بمثابة استثناءات على النحو التالي:
1- قيد النظام العام والآداب: النظام العام هو مجموعة الأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يقوم عليها المجتمع، والآداب هي مجموعة المبادئ الأخلاقية السائدة في المجتمع ولا يجوز أن تبرم عقودا تخالف تلك الأسس، وهذه المبادئ ولذلك يقع باطلا كل عقد يخالف النظام العام أو الآداب.
2- قيد عقود الإذعان: عقود الإذعان هي تلك العقود التي يكون القبول فيها مجرد تسليم بشروط يضعها الموجب ولا يقيل مناقشة فيها وهذه العقود تعتبر قيدا على مبدأ الحرية التعاقدية لأن فيها إجبارا للأفراد للتعاقد مع أشخاص معينين بشروط محددة يضعونها ولا يقبلون مناقشة فيها.
3- قيود العقود الجماعية: العقود الجماعية هي نوع من العقود النموذجية التي تعددها مسبقا جماعات أو نقابات تمثل فئة معينة من العمال حماية لمصالحهم، يجبر هؤلاء العمال على الأخذ بها عند توقيع عقد العمل، وتعتبر هذه القيود قيدا على حرية العمال، لكن الهدف منها هو حمايتهم من ضعفهم الناتج عن ضعف مستواهم الاقتصادي أو عن جهلهم شروط التعاقد وصياعته وذلك حينما يتعاقدون مع طرف قوي من الناحية الاقتصادية – هو صاحب العمل – الذي يمكن أن يستغلهم، فهذا القيد على حرية التعاقد مقرر لمصلحة الطرف الضعيف في العقد.
ب- مبدأ الرضائية:
1- المقصود بالمبدأ:
- يقصد بمبدأ الرضائية أن الإرادة كافية وحدها لإنشاء العقود وترتيب الآثار المترتبة عليه دون الحاجة إلى إفراغها في أي شكل.
2- قيود هذا المبدأ:
1- الشكلية: وضع المشرع المصري قيد الشكلية على مبدأ الرضائية، وهذا يعني أن هناك عقودا لا تكفي الرضائية لانعقادها وإنما يجب أن تفرغ هذه الرضائية في شكل معين.
وقد يكون الهدف من الشكلية هو تنظيم الثروة العقارية في المجتمع وإعلام الغير بالتصرفات الواردة عليها – كما هو الحال– في الرهن الرسمي الذي لا ينعقد إلا بورقة رسمية وقد يكون الهدف من الشكلية هو حماية الغير – كما في عقد الشركة – الذي يجب أن يكون مكتوبا وإلا وقع باطلا.
2- العينية: يقصد بالعينية أن التراضي لا يكفي لانعقاد بعض القيود بل يجب اتخاذ إجراء آخر لانعقادها لا ينعقد إلا به، ومن أمثلة ذلك هبة المنقول التي يجوز أن تنعقد بالقبض.
ج- مبدأ القوة الملزمة للعقد:
1- المقصود بالمبدأ:
- يقصد بهذا المبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين، أي أنه القانون الذي يحكم العلاقة بينهم، فلا يجوز نقضه أو تعديله أو إلغاؤه إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون.
- ومقتضى هذا المبدأ أن العقد لا يلزم سوى أطرافه، فيكتسبون بمقتضاه حقوقا ويتحملون التزامات، والأصل أن غيرهم لا يمكن أن يكتسبوا حقوقا أو يتحملوا بالتزامات لأنهم لم يكونوا أطرافا في العقد.
2- قيود هذا المبدأ:
1- الظروف الطارئة: تعتبر قيدا على مبدأ القوة الملزمة للعقد، وهي تلك الظروف العامة الاستثنائية التي لا يمكن دفعها ولا يمكن توقعها وتعترض سبيل تنفيذ العقد، فتجعل هذا التنفيذ (إن لم يكن مستحيلا) فإنه سيكون مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، وعندئذ يجوز للقاضي تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك.
2- الاشتراط لمصلحة الغير: إذا كان العقد لا يرتب التزاما في ذمة الغير فإنه يجوز أن يكسبه حقا، وذلك عن طريق الاشتراط لمصلحة الغير.